ميناء خليفة.. لماذا؟ وإلى أين؟

– ضرورة ملحّة لمواكبة التحولات الاقتصادية العالمية تدعمها خطة حكومية ورؤية مستقبلية لتنويع اقتصاد أبوظبي

– بوابة اقتصادية واسعة تدعمها أرضية صناعية ولوجستية في كيزاد

– انتاجية تتنامى بشكل مضطرد تضعه في مصافّ الموانئ الخمسة الأولى عالمياً

– استثمارات خارجية مباشرة تفوق 13 مليار دولار وتأجير أكثر من 11 مليون متر مربع من أراضي كيزاد

مع تواصل النهضة الحضارية التي شهدتها دولة الإمارات العربية المتحدة وخصوصاً خلال السنوات الأربعين الماضية، قفزت إمارة أبوظبي في عهد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، قفزات نوعية حققت خلالها الكثير على جميع الأصعدة، العمرانية والاقتصادية والصناعية. فكان أن افتتح ميناء زايد عام 1972 ليساهم في تطوير أبوظبي، وتحقيقاً لرؤية مؤسسه الشيخ زايد رحمه الله، عاصر ميناء زايد في مركز العاصمة سنوات النهضة التي تدرّجت خلالها الإمارة من جزيرةٍ تطلّ على الخليج العربي إلى مركزٍ تجاريٍّ نابض تُزيّن الأبراج التجارية والسكنية أفق سواحله على امتدادها. وأثبتت إمارة أبوظبي الفتيّة مواكبتها لأفضل معدلات النمو الاقتصادي العالمي وتفوقها أحياناً على معدلات التطور التي حققتها مدن وعواصم عالمية.

وتواصل إمارة أبوظبي اليوم بقيادة صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان حفظه الله ورعاه، تحقيقها لإنجازات عظيمة ساهمت في اكتساب الإمارة مكانة مرموقة على خارطة العالم. ولخدمة أهدافها الوطنية، تحافظ أبوظبي على علاقات ودية مع دول العالم تفتح لها أبواب التجارة العالمية وتعزز نموها الاقتصادي في الوقت الذي تسير فيه خططها الاستراتيجية قدماً لاستيعاب هذا النمو وتلبية متطلباته من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية وتطوير بواباتها التجارية التي تربطها مع العالم الخارجي عبر البحر.

تدخل عوامل كثيرة في الحسبان عند وضع الخطط التنموية التي تنفذها حكومة أبوظبي، ومن بينها المستجدات على الخارطة الاقتصادية العالمية. ولمواكبة التغيير الإيجابي على خارطة الشحن البحري الدولي بادرت الحكومة بوضع مخططات استراتيجية تتعلق بالقدرة الاستيعابية لموانئ الإمارة وقدرتها على مواجهة النمو المتوقع والدور الذي ستلعبه المنطقة كمركز تجاري عالمي لحركة الشحن البحري. ويأتي تقرير قائمة لويدز وجامعة ستراثكلايد واصفاً التغير التدريجي الذي تشهده طرق التجارة العالمية حتى العام 2030 بالكبير، ومشيراً إلى النمو القوي لقطاع النقل البحري والدور المتنامي للصين في قيادة القطاع مما حدا بالباحثين إلى الاعتقاد بزيادة التجارة المنقولة بحراً من 9 مليارات طن سنوياً إلى ما بين 19 – 24 مليار طن.

صدرت الإرادة السامية بتأسيس شركة أبوظبي للموانئ عام 2006 وأوكلت إليها مهمة تطوير جميع الموانئ التجارية لإمارة أبوظبي وتعزيز بنيتها التحتية ومرافقها استعداداً للعام 2030 الذي ترى فيه الإمارة نقطة تحول في اقتصادها تنوعاً واستقراراً. وفي العام 2012 تفضل صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان بافتتاح ميناء خليفة الذي يُقدّر له أن يكون البوابة التجارية الأوسع لإمارة أبوظبي وذراعاً استثمارياً حيوياً لتنمية حركة التجارة تصديراً واستيراداً.

يأتي ميناء خليفة بديلاً ضرورياً لاستيعاب النمو الهائل الذي تشهده الحركة التجارية في الإمارة جرى التخطيط لإنشائه قبل أعوامٍ من بلوغ ميناء زايد طاقته الاستيعابية القصوى. ومع التوجه المضطرد في حجم سفن شحن الحاويات، كان لا بد من تجهيز ميناء متطور بحوض يستوعب عمق غاطسه أحجام السفن الهائلة التي تضخمت سعتها من بضعة مئات من الحاويات إلى بضعة آلاف، الأمر الذي يؤثر فنياً على نوع الرافعات المستخدمة في المناولة والتفريغ من السفينة إلى الشاطئ، رافعات يزيد طول جسرها عن 65 متراً تغطي في مداها الأقصى عرض السفن الحديثة العملاقة.

تميزت انطلاقة ميناء خليفة بالقوة معززة بتشغيل أول محطةٍ شبه آلية للحاويات وتحقيقها للإنجازات تلو الأخرى على صعيد كفاءة التشغيل وسرعة الإنجاز. وقطعت المحطة أشواطاً خلال عامين من تأسيسها مسجلةً معدلات نمو مرتفعة تجاوزت مثيلاتها ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل نجحت في احتلال المرتبة الخامسة عالمياً في الإنتاجية على مستوى منطقة الشرق الأوسط وافريقيا وأوروبا.

تمكّن ميناء خليفة بإدارة شركة مرافئ أبوظبي لمحطة حاوياته من مدّ صلاته مع موانئ إقليمية وعالمية بسرعة قياسية ساهمت في جذب انتباه خطوط الشحن الدولية إليه خصوصاً بعد تحويل جميع أعمال الحاويات من ميناء زايد. وأصبح لميناء خليفة علاقات مباشرة مع 52 وجهة وميناء حول العالم. كما شهد عدد خطوط الشحن التي تزور الميناء ارتفاعاً ملحوظاً تجاوزت 20 من كبريات شركات الشحن العالمية وخطوط الشحن المباشر، فيما يعد إنجازاً آخر يضاف إلى سجل الانجازات التي حققها ميناء خليفة خلال فترة قصيرة نسبياً من بدء تشغيله. وتواصل شحنات البضائع العامة حركتها من وإلى ميناء خليفة حتى تجاوزت 3 ملايين طن حتى الربع الثالث.

تبلغ الطاقة الاستيعابية الأولية لميناء خليفة 2.5 مليون حاوية نمطية، استطاعت محطة الحاويات اجتياز الهدف التشغيلي المقرر للسنة الأولى. وتمكنت محطة الحاويات من مناولة 86,883 حاوية نمطية خلال شهر سبتمبر وحده بعد عام واحد تقريباً على التشغيل الفعلي، بينما سجل شهر سبتمبر هذا العام مناولة 115,887 حاوية نمطية وهو أعلى رقم تمكنت المحطة من تحقيقه خلال شهر واحد منذ انطلقت أعمالها التشغيلية في نفس الشهر من العام 2012. إنجازات وأرقام قياسية يسجلها ميناء خليفة تنفيذاً لخطط استراتيجية هدفها القيام بالدور المناط به في دعم اقتصاد أبوظبي كبوابة تجارية رئيسية للإمارة وتحقيقاً لأهداف الرؤية الاقتصادية أبوظبي 2030.

ضم مشروع البنية التحتية ميناء خليفة وكيزاد معاً، فيما يعتبر واحداً من أضخم المشاريع في تاريخ الإمارة فاق الاستثمار الحكومي فيه عن 24 مليار درهم (6.2 مليار دولار). وميناء خليفة الذي يتم تطويره على مراحل متعددة تعتمد أساساً على نمو الطلب واحتياجات المرحلة، يعتبر قربه من كيزاد أحد العوامل التي يتوقع لها أن تساهم في زيادة حجم الصادرات المتوقع من كيزاد عن 900,000 طن عبر الميناء خصوصاً مع الإقبال الذي تشهده كيزاد من مستثمرين محليين ودوليين زادت مبالغ الاستثمار فيها عن 13 مليار دولار. وترى شركة أبوظبي للموانئ أن العمليات التشغيلية في الميناء وتأجير الأراضي في كيزاد الذي فاق 11 مليون متر مربع، يسيران معاً في نسقٍ يؤكد استدامة العلاقة بينهما لخدمة قطاع الاستثمار الصناعي واللوجستي في أبوظبي وتعزيز حركة التجارة البحرية من وإلى الإمارة.

نجح ميناء خليفة في تسجيل أرقام قياسية شملت معدلات النمو وحجم مناولة الحاويات والإنتاجية مقارنة بالعام الذي سبق، وحقق الميناء خلال الأشهر التسعة الأولى 24 بالمئة نمواً في إنتاجيته ضمنت له احتلال المرتبة الخامسة على مستوى موانئ الشرق الأوسط، افريقيا وأوروبا بعد أن قفزت محطة الحاويات من مناولة 86,883 خلال سبتمبر 2013 إلى مناولة 115,887 حاوية نمطية في سبتمبر 2014.

وعن الدور الذي تخطط شركة أبوظبي للموانئ القيام به تفعيلاً لمهمتها في تنويع اقتصاد أبوظبي وتحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية 2030، ذكر الرئيس التنفيذي للشركة، الكابتن محمد جمعة الشامسي أن “شركة أبوظبي للموانئ أحد أذرع تحقيق الرؤية الاقتصادية ومساهم أساسي في تحقيق أهدافها بالتعاون الوثيق مع مختلف الأطراف. وأوضح الشامسي أن ميناء خليفة يركز حالياً على تأمين خطوط شحن رئيسية تنقل البضائع من وإلى أبوظبي بشكل مباشر ودائم.

وتقوم مرافئ أبوظبي، الشركة المشغلة لمحطة الحاويات في ميناء خليفة بدور فاعل في إدارة العمليات التشغيلية وبكفاءة ساهمت في تحقيق الإنجازات حيث أعلنت أمس عن كسر حاجز 2 مليون حاوية نمطية تم مناولتها في محطة الحاويات شبه الآلية في ميناء خليفة.

واختتم الشامسي بقوله: “يحق لنا أن نفخر بما حققه ميناء خليفة من إنجازات جعلته في مصاف أسرع موانئ المنطقة نمواً”. ونوّه إلى التعاون المثمر بين شركة أبوظبي للموانئ وجمارك أبوظبي، وهيئة البيئة ودائرة النقل والجهات الأمنية العديدة التي تتابع عن كثب لحماية المكتسبات الوطنية التي تحققت حتى اليوم.

ومع تزايد تعدد سكان العالم ونداءات المنظمة الدولية البحرية بضرورة توسيع أسطول الشحن البحري لنقل احتياجات الأسواق من المواد الاستهلاكية بمختلف أشكالها وأنواعها فأكثر من 90 بالمئة من حجم التجارة العالمية ينتقل بحراً وسيصبح لزاماً على البلدان النامية مواكبة الثورة التي تتمثل في تضخم أحجام السفن وتحديث موانئها بما يتناسب مع متطلباتها.

Exit mobile version