موانئ أبوظبي تشكّل أول فريق إماراتي لتنفيذ العمليات في مرافقها البحرية

“نبض الموانئ” يهدف إلى بناء القدرات الاعتمادية والمهارات التشغيلية

حققت موانئ أبوظبي إنجازاً يضاف إلى سجل إنجازاتها على مستوى القطاع البحري في دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال حرصها على استقطاب الكوادر المواطنة وتدريبها لتتولى إدارة وتشغيل المواقع الحيوية في عملياتها المينائية، تنفيذاً لسياسة التوطين التي تنتهجها حكومة الإمارات، وتحقيقاً لركيزة أساسية أقرتها إمارة أبوظبي ضمن أهداف رؤيتها الاقتصادية 2030 لبناء كوادر وطنية فاعلة في مختلف مجالات الأعمال في الدولة.

بادرت موانئ أبوظبي، الذراع الحكومي الذي يتولى إدارة وتطوير جميع الموانئ التجارية والمناطق الصناعية في إمارة أبوظبي والمزوّد الرئيسي للخدمات الملاحية، بتشكيل الدفعة الأولى من فريق إماراتي متكامل قام بتشغيل عمليات الميناء منذ التقاط إشارة سفينة الشحن على حدود المياه الإقليمية للإمارة وحتى خروجها مغادرة إلى عرض البحر.

“نبض الموانئ” فريقٌ جميع أفراده من المواطنين، تلقّوا تدريباتهم في مرافق الشركة وعلى مختلف المعدات والآليات العاملة، قادر على إدارة وتنفيذ عمليات دخول السفن الزائرة إلى موانئ الإمارة وضمان سلامتها وتفريغ شحناتها ثم إرشادها إلى خارج حوض الميناء لتكمل رحلتها.

بهذه الخطوة التي قادتها، تنقل موانئ أبوظبي “توطين” إلى مستوى جديد ومتقدم يهدف إلى تفعيل الطاقات الوطنية وإبراز الدور الذي يقوم به أبناء الإمارات العربية المتحدة في إدارة مواقع حيوية لا تعتمد على المهارة فقط بل تتطلب عزماً على الاستمرار من أجل استدامة الأعمال في مواقع حساسة مثل الموانئ البحرية.ومع توفر التدريب والمتابعة في قطاعات تتطلب المعرفة وصقل المهارات أثبت فريق “نبض الموانئ” مقدرة على تولي أدق العمليات التنفيذية التي كانت في الغالب تدار من قبل غير المواطنين.

منذ عامين تقريباً، قامت موانئ أبوظبي بتصميم البرامج التدريبية التي تستهدف الخريجين الجدد، ودفعت باتجاه تعليم وإرشاد المتدربين في مواقع العمل بدلاً من التركيز على القاعات الدراسية، بيد أن الشركة تحرص على توفير التدريب الأكاديمي من خلال مركز التدريب البحري الذي يوفر دورات معتمدة في مساقات هي الأولى من نوعها على مستوى المنطقة تركز على الخدمات الملاحية وتقدم دورة رصد حركة السفن وغيرها.

ويؤكد معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير دولة ورئيس مجلس إدارة موانئ أبوظبي توجه الشركة نحو تفعيل الدور الريادي للمواطن وليس الاكتفاء بنسب التوطين على مستوى الوظائف الإدارية. ويقول: “شبابنا قادرٌ على تحمل المسؤوليات، ودورنا في توجيه هذه الطاقات نحو ما يضمن استدامة الأعمال دورٌ مسؤول ونابعٌ من حسٍّ وطني يضع توجيهات القيادة موضع التنفيذ في رؤيتها لتطوير العنصر البشري الإماراتي وتأهيل جيل من الشباب قادر على إدارة الأصول البحرية في الدولة ومواكبة نمو القطاع البحري” .

يشعر الكابتن محمد جمعة الشامسي، الرئيس التنفيذي لموانئ أبوظبي، بفخر كبير للنجاح الذي تحققه الشركة في استقطاب الشباب الإماراتي وتوفير البرامج التدريبية المتخصصة التي صممتها لتدريب المواطنين على القيام بالعمليات التشغيلية للموانئ.يقول الشامسي: “لأول مرة في تاريخ الموانئ في الدولة، يقوم فريق متكامل جميع أفراده من المواطنين بتشغيل دورة كاملة لعمليات الميناء تشمل الخدمات الملاحية للسفن الزائرة وأعمال التفريغ والتحميل”. ويؤكد الشامسي بدوره التزام الشركة المستمر في تمكين المواهب الإماراتية من القيام بدورها الواجب في تغطية مراكز محورية في عمليات الميناء.

ومن بين وحدات الأعمال التابعة لموانئ أبوظبي، نجحت مرافئ أبوظبي وشركة الخدمات الملاحية في بلوغ المستوى التالي من مسيرة التوطين التي تنتهجها الشركة الأم في خطوة هامة لخلق قوى عاملة وطنية مؤهلة وقادرة على إدارة العمليات التشغيلية الأساسية والضرورية لاستمرار الأعمال في الموانئ.

خرّجت موانئ أبوظبي ووظفت العديد من المواهب الوطنية، تضم شركة الخدمات الملاحية التابعة لموانئ أبوظبي فريقاً من البحارة والملاحين والقباطنة والمهندسين البحريين الخبراء يحظى كل منهم بالمؤهلات التي تمتثل لمتطلبات المنظمة البحرية الدولية (IMO) ومتطلبات الاتفاقية الدولية لمعايير التدريب والإجازة والخفارة للملاحين (STCW95). حرصت الشركة على تلقّي أعضاء الفريق لدورات تدريبية منتظمة من أجل المحافظة على مستويات الأداء العالية في تقديم مجموعة واسعة من الخدمات الملاحية والمساعدات البحرية لعملاء الشركة من جميع أنحاء العالم.

وفي الوقت الذي تظل فيه عمليات الموانئ حصراً على العاملين في القطاع البحري على الأغلب، لا يدرك الكثيرون منّا ما هي المراحل التي تمر من خلالها البضائع والسلع الواردة إلى الموانئ وحتى وصولها إلينا، ولا يدرك معظمنا كذلك مستويات المهارة والدراية التي تتطلبها مثل هذه الأعمال التي تفوق في دقتها حجم إعجابنا بما تجلبه لنا تلك السفن من مواد استهلاكية ننعم باستخدامها.

تعكس استراتيجية الشركة في توطين الوظائف في قطاع عمليات الموانئ وعياً لدى القائمين على إدارتها بضرورة رفد السوق بخبرات وطنية وردم فجوة خلّفها نقص التعليم المهني الذي يلبي متطلبات التوجه الاقتصادي للإمارة. ففي حين تسعى أبوظبي إلى تنويع اقتصادها المعتمد على النفط والغاز وفي ظل وفرة الكفاءات الوطنية في هذين القطاعين، تبرز الحاجة إلى كوادر مهنية وطنية قادرة على إدارة العمليات الحيوية التي تشكل عصب الاقتصاد والوقوف على بوابات التجارة الدولية التي تمثلها الموانئ البحرية.

فمن الناحية النظرية، تعمل استراتيجيات التعليم على تأهيل العاملين وتزويدهم بالمهارات اللازمة لسد حاجة السوق، وتعمل سياسات التوظيف على توفير الحوافز لاستقطاب الكوادر، بينما توفر قوانين الهجرة وجلب العمالة فرصاً كثيرة لسد الثغرات في أسواق العمل، إلا أننا نجد أن نظم الرفاه الاجتماعي تخلق حاجزاً أمام إقبال الكوادر الوطنية على الانخراط في مهن عملية من بينها مواقع حساسة مثل الموانئ البحرية التجارية لها دور هام في دوران عجلة الاقتصاد لأي بلد من البلدان بقدر ما لها من دور في حفظ أمنها وسلامة منافذها.

هذا الواقع الذي أدركته موانئ أبوظبي ساهم في رسم سياستها في توطين العمليات المينائية واتباع استراتيجية واضحة توجب المضي قدماً في تأمين استدامة أعمالها بسواعد وطنية حريصة على استمرار نبض التجارة في التدفق عبر بواباتها البحرية.

وإلى جانب استثماراتها الهائلة في توظيف التكنولوجيا المتطورة لتحقيق الإستغلال الأمثل لطاقاتها الاستيعابية، حددت موانئ أبوظبي ضمن أهداف خطتها الاستراتيجية تحقيق نقطة تحول في مشروع التوطين وتعزيز استثمارها في تطوير العنصر البشري القادر على إدارة هذه التقنيات.

حققت استثمارات الشركة في “تكنولوجيا تشغيل الموانئ” عوائد مجزية حصلت من خلالها موانئ أبوظبي على اعترافات دولية، فاحتل ميناء خليفة مؤخراً المرتبة الخامسة في انتاجية الموانئ مقارنة بموانئ عالمية من أوروبا وافريقيا والشرق الأوسط. وحاز مركز التدريب البحري على اعتماد أعلى الهيئات العالمية التي اعترفت به مركزاً للتدريب البحري يقدم دورات هي الأولى من نوعها على مستوى المنطقة. وبفضل توظيف التكنولوجيا في تسريع الإنجاز حققت محطة الحاويات في ميناء خليفة أقل وقت لدوران الشاحنة في حدودها لا يتجاوز الاثنتي عشرة دقيقة. وخلف هذه الإنجازات تقف عقول وطنية مبدعة تمكنت من تحقيق النجاح تلو الآخر، فهل يتوقف الإبداع عند هذا الحد؟ وهل تكتفي موانئ أبوظبي بإدارة المعدات والآليات التي تحقق الأرقام القياسية فقط؟ والجواب هو النفي!

يقول الكابتن مصبّح الجابري، أحد الملاّحين المواطنين وقد أمضى أكثر من 8 سنوات في الخدمات الملاحية، اختبر خلالها مياه أبوظبي وتعلم تضاريس قنواتها المائية، ووظيفته الرئيسية هي مساعدة قبطان السفينة الزائرة وتولّي قيادة السفينة بنفسه لتعبر بأمان إلى حوض الميناء: “أحب عملي جداً، ليس لأنني أعمل في شركة رائدة مثل موانئ أبوظبي فحسب، بل أشعر بأنني أقدم خدمة لبلادي بما أقوم به، فأنا مواطن إماراتي أشارك من موقعي في تطوير إمارة أبوظبي لتصبح مركزاً بحرياً عالمياً، ومع وصول كل سفينة تزور موانئنا نقترب أكثر من بلوغ هذا الهدف”.

يعمل الجابري ضمن فريق مكون من 18 قبطاناً جميعهم مرخصين ومن ذوي الخبرة في التعامل مع جميع أنواع السفن الحديثة العابرة للمحيطات اليوم. ويشغل الفريق 4 قوارب إرشاد سريعة تصل سرعتها حوالي 25 عقدة (46.3 كيلومتر بالساعة) مخصصة لنقل الملاحين. أما صالح المنهالي، مشرف عمليات الرصيف في الميناء والذي أمضى نحو 19 عاماً قائداً لأحد قوارب القطر فيقول: “أنا فخور جداً بعملي لدى موانئ أبوظبي وبالإنجازات الكثيرة التي حققتها للصناعة البحرية المحلية التي وفرت الكثير من الفرص المهنية للشباب”.

هذا الجيل من الكوادر الإماراتية شكّل مثالاً وطنياً يحتذي به القادمون الجدد، لكن أبرز القادمين إلى قطاع عمليات الموانئ البحرية فتاة إماراتية اختارت تحدي الحواجز الاجتماعية والصعود إلى قمة واحدة من أضخم رافعات الرصيف في العالم “سوبر بوست باناماكس” وتشغيلها. عائشة حسن عبد الرحمن المرزوقي، أول أنثى إماراتية تقوم بهذه المهمة في تاريخ الموانئ البحرية في إمارة أبوظبي، ومن خلال عملها لدى مرافئ أبوظبي تدعو بنات جنسها إلى خوض التحدي والسعي نحو تحقيق طموحاتهن متمنية أن تكون مصدر إلهام للكثير من جيلها في خدمة الإمارات.

وفي مركز العمليات الرئيسي لمحطة الحاويات تدير كوادر إماراتية مواطنة شاشات لمراقبة الحركة في فناء الحاويات بدقة باستخدام أحدث التقنيات. تعمل هذه الكوادر الوطنية ضمن برنامج موانئ أبوظبي التدريبي “نورس” الذي يركز على التدريب أثناء العمل وتأدية الوظيفة تحت مراقبة ودعم المشرفين والذي صممته بشكل خاص لتطوير مهارات مواطني دولة الإمارات. ويحقق البرنامج أهدافه بنجاح من خلال الإقبال الذي يشهده من قبل الشباب الإماراتي الباحث عن عمل والذي تستهويه التحديات.

“فرص التطوير التي توفرها موانئ أبوظبي للمواطنين كثيرة وأرى أن الوقت قد حان لنعمل من أجل رفعة بلدنا وقيادتنا الحكيمة التي لم تدخر جهداً في الإعداد لمستقبلنا. أنا سعيدة بوصولي لهذه المرحلة من مراحل التدريب والتأهيل وأعرف أن أمامي طريق طويل مليئ بالتحديات لكنني سأعمل بجد لتحقيق رؤية بلدي إلى حقيقة وواقع ملموس” كلمات صدرت عن خديجة البلوشي، فتاة إماراتية تعمل في مركز العمليات الرئيسي لمحطة الحاويات في ميناء خليفة. الكابتن محمد الشامسي “إن نجاح استراتيجية التوطين التي تطبقها موانئ أبوظبي تعتمد على مجموعة من البرامج التدريبية المختلفة التي نقدمها وتشمل تدريبات عملية متخصصة وتطوير مهارات الدعم المؤسسي، بالإضافة إلى اكتشاف قياديي المستقبل ومن ثم منحهم التدريب والدعم لتحقيق إمكاناتهم”. ويختتم الشامسي بقوله: “كمزود رئيسي للخدمات البحرية، نهدف إلى دعم مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة والمساهمة في تحقيق طموحاتهم المهنية والوظيفية التي تتناسب مع النمو السريع لقطاع النقل البحري والموانئ الذي يرتبط بتاريخنا وثقافتنا”.

تقوم موانئ أبوظبي بدور فاعل في تحديث البنى التحتية وترقية أعمال موانئها وتنشيط حركة التجارة البحرية وخدمة المجتمعات المحلية، ويتداخل دورها بانسجامٍ تام مع قطاع السياحة ليساهم مباشرة في رفد الإمارة من باب التنويع الاقتصادي واستدامة التنمية. ومواكبة لهذا الدور الرئيسي والمهمات الجسيمة، حرصت موانئ أبوظبي منذ تأسيسها على توطين الوظائف في مرافقها تدريجياً وبخطى مدروسة تهدف إلى توجيه المواطن نحو القيام بدور فاعل على جميع المستويات، في الوظائف الإدارية والإشرافية ثم في قطاع العمليات التشغيلية الذي لم يسبق أن اجتذب الشباب الباحثين عن عمل في الدولة.

Exit mobile version